ويعطي الباب المؤدي إلى الغرفة المجاورة لمحة نادرة عن عالم مغلق منذ فترة طويلة، ويكشف عن النعش الخشبي الذي عاد فيه جثمانه إلى رام الله. ودفن جثمان عرفات ملفوفا بالعلم الفلسطيني قبل نحو تسع سنوات، لكن نظريات المؤامرة التي تزعم وفاته مسموما لم تدفن قط، حيث تطايرت الاتهامات في كل الاتجاهات. وإذا ظهرت أدلة على أن إسرائيل قتلت الزعيم الفلسطيني فإن ذلك قد يقضي على فرص السلام لسنوات قادمة، وظهور دليل على أن أحد المقربين من عرفات قتله يمكن أيضا أن يطيح بجيل من السياسيين لا تزال لهم الهيمنة في الضفة الغربية. ولا يساور عماد أبو زكي، أحد الحراس الشخصيين لعرفات والذي كان مقربا منه، أدنى شك بخصوص الفاعل، ويقول إن "الريس" لم يكن لديه أدنى شك في ذلك أيضا. وتذكر أبو زكي كلمات لعرفات ذات يوم وهو على فراش المرض قال فيها إن الاسرائيليين نالوا منه. وطالما افترض أغلب الفلسطينيين أن إسرائيل قتلت زعيمهم رغبة منها في التخلص من رجل حملته المسؤولية عن انهيار محادثات السلام سنة 2000 والانتفاضة الفلسطينية التي أعقبت ذلك. وتعززت تلك القناعة بالنتائج التي أعلنها هذا الشهر معمل سويسري للطب الشرعي وأظهرت أن عظام عرفات تحتوي على كميات أعلى من المعدلات الطبيعية من عنصر البولونيوم المشع النادر. لكن الجميع لا يتفقون في توجيه الاتهام لجهة واحدة، فالبعض ومنهم سهى أرملة عرفات لمّحوا إلى أنه قتل على يد أحد المقربين منه. وقالت سهى عرفات إنها واثقة من أن المسؤولية تقع على عاتق أحد المقربين منه واصفة وفاته بأنها "اغتيال سياسي". وسلطت سلسلة مقابلات أجريت مع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين كانوا جميعا على صلة بالأحداث التي جرت عام 2004 مزيدا من الضوء على عهد من العنف والدسائس والعداء بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفيما بين الفلسطينيين أنفسهم.
وحاصر الجيش الإسرائيلي عرفات قبل وفاته لمدة 41 شهرا بمقره الذي تعرض للقصف في رام الله. ولمّح رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين أرييل شارون -بنبرة تنطوي على تهديد في حديث لصحيفة معاريف في سبتمبر/أيلول 2004- إلى رغبته في التخلص من عرفات مشيرا إلى أن إسرائيل قتلت في وقت سابق من نفس العام زعيمين في حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وبعد شهر تقريبا من تصريحات شارون، مرض عرفات بشدة. ويتذكر إبراهيم أبو النجا (وزير الزراعة الفلسطيني في ذلك الحين) عندما كان يتناول العشاء مع عرفات في 14 أكتوبر/ تشرين الأول بمنزله حيث كانت البراميل المملوءة بالإسمنت تسد النوافذ لتقليل ضرر الانفجارات في حالة وقوع هجوم إسرائيلي. وقال أبو النجا إن عرفات كان على ما يرام عندما رآه وكان يبدو بصحة جيدة، وقال إنه كان يوجد طبق حساء أمام عرفات تناول منه رشفة بملعقة بدا بعدها مختلفا ووضع يديه على فمه وتقيأ ولم يسترد عافيته بعد ذلك أبدا. ويتذكر بعض المسؤولين أن المرض بدأ في 12 أكتوبر/تشرين الأول، في حين أكد البعض أن الضعف بدأ ينال منه في بداية الشهر. وكان مساعدوه قالوا في البداية إنه يعاني من الإنفلونزا، وجاءت فرق طبية في البداية من مصر ثم من تونس لفحصه، لكنه نقل نهاية المطاف إلى باريس في 29 أكتوبر/تشرين الأول قبل أن يتوفى في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، ولم يتم تشريح الجثة، وقال أطباء فرنسيون إنهم لم يتمكنوا من تحديد سبب الوفاة. وبعد ذلك بأسبوعين فتح الفلسطينيون تحقيقا لم يتوصل إلى شيء، وعادت القضية لدائرة الضوء العام الماضي عندما حصلت الجزيرة على أجزاء من الملابس التي كان يرتديها عرفات بالمستشفى، وقامت بتحليلها في سويسرا. واكتشف معهد الفيزياء الإشعاعية التابع لمستشفى جامعة لوزان مستويات أعلى من المعدلات الطبيعية من عنصر البولونيوم المشع، وفتح قضاة فرنسيون تحقيقا جنائيا، واستخرجت جثة عرفات وسلمت عينات لخبراء من سويسرا وفرنسا وروسيا. وقال أحمد قريع (رئيس الوزراء الفلسطيني وقت وفاة عرفات) إنه كان متأكدا دائما من أن عرفات قد اغتيل، وأوضح أنه قال ذلك من البداية، وأشار إلى أن الجميع يعتقد أن إسرائيل هي من قتلت عرفات، وأوضح أن الفلسطينيين كانوا بحاجة إلى الدليل معتبرا أن التقرير السويسري قدم هذا الدليل أخيرا. ويرفض الإسرائيليون ذلك بشدة، وقال مركز بتسيلم الإسرائيلي المعني بحقوق الإنسان إن إسرائيل دبرت نحو 150 عملية قتل تستهدف أشخاصا في الفترة بين سبتمبر/أيلول 2000 وأكتوبر/تشرين الأول 2004. واعترفت إسرائيل صراحة بتنفيذ الكثير من العمليات، ولكنها تنفي أي تورط لها في وفاة عرفات. وقال غيورا إيلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي في الفترة بين عامي 2004 و2006 والذي شارك في عملية صناعة القرار "كان عرفات في نظر شارون رمز الشر"، وأضاف "كانت هناك بعض المناقشات بخصوص إمكانية الإطاحة بعرفات أو طرده، ولكنها كانت مجرد أفكار افتراضية، كان عرفات الزعيم المطلق للفلسطينيين لذا لم يكن من الممكن أن نفعل معه ما فعلناه مع قادة حماس وغيرها من الفصائل". اتهامات للفلسطينيين ورد آفي ديختر الذي كان رئيسا لجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) عام 2004، على الاتهامات الموجهة لإسرائيل، بدعوة الفلسطينيين للنظر بين ظهرانيهم، وقال لراديو إسرائيل "فليحققوا ويستكشفوا". ويعتقد عضو فريق التحقيق الفلسطيني فهمي شبانة أن ديختر محق. ففي الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2004 حين أصاب المرض عرفات، نجا ابن عمه موسى -الذي يتمتع بنفوذ- من محاولة اغتيال بقطاع غزة، وقال موسى باليوم التالي إن إسرائيل بريئة من هذا العمل ملقيا مسؤولية المحاولة الفاشلة التي نفذت بتفجير سيارة ملغومة قرب موكبه على بعض القوى المتناحرة. ولكن بعد مرور عام لم يحالفه الحظ إذ أخرجه مسلحون من منزله بغزة وقتلوه رميا بالرصاص في الشارع، ورغم أنه مقيم بالقرب من مقر جهاز الأمن الفلسطيني لم يأت أحد لمساعدته أو يتم ضبط قاتليه. وقال شبانة إنه يربط بين قتل موسى عرفات وابن عمه وإن المشتبه في ضلوعهم بقتل الأول هم نفس المشتبه فيهم بقتل الأخير، وأوضح أنه خلص إلى هذه النتيجة بعد العمل الذي قام به في أول تحقيق رسمي بوفاة عرفات، والذي استمر نحو خمسة أشهر دون أن يسفر عن توجيه أي اتهامات. ومن مكتبه الصغير بالقدس الشرقية المحتلة، قال شبانة إن ياسر عرفات ينحدر من عائلة صغيرة وموسى عرفات هو أقوى أقاربه، واعتبر أن قتله كان بهدف منعه من السعي للثأر لمقتل عرفات. وقبل أن يصيب المرض عرفات، كان هناك انشقاق داخلي متزايد في صفوف السلطة الفلسطينية، ففي يوليو/تموز 2004 تعرض نبيل عمرو (الوزير السابق وأحد أشد معارضي عرفات) لإطلاق نار في رام الله مما أثار غضب عائلته التي نددت بالسلطة الفلسطينية لفشلها في ضبط منفذي الهجوم، وفي نفس الشهر شهدت غزة أعمال شغب بعد أن عين ياسر عرفات ابن عمه موسى قائدا للأمن الوطني. واتـُهم محمد دحلان (منافس عرفات بالسلطة الفلسطينية) بإثارة المشكلة مما أدى إلى توجيه اتهامات له بالعمل مع إسرائيل لإبعاد عرفات، غير أن دحلان نفى ذلك. وغادر دحلان الأراضي الفلسطينية بعد اختلافه مع عباس عام 2010، ويعيش حاليا في المنفى بالإمارات العربية المتحدة. عرفات الأب وردا على تلك الاتهامات، أصرّ أحمد قريع على أن الفلسطينيين غير مسؤولين، وقال إن كثيرا من الفلسطينيين كانوا ينتقدون عرفات ولكن ذلك ليس دليلا على أنه كان هناك مخطط فلسطيني لقتله، وأوضح أن الجميع كانوا ينظرون إليه على أنه بمنزلة الأب. وإذا كان عرفات قتل مسموما طبقا لتقرير المعمل السويسري الذي قال إن كمية البولونيوم المكتشفة "تدعم إلى حد ما" تلك الفرضية، فإن هذه المادة النادرة لابد وأنها جاءت من بلد يجري أنشطة نووية. وعلى نفس المنوال ونظرا لأن جميع من حوله تقريبا كانوا من الفلسطينيين فإن من المحتمل أن تكون هناك يد داخلية هي التي دست الجرعة الصغيرة القاتلة. وكان الحارس الشخصي أبو زكي ملازما للرئيس الفلسطيني الراحل منذ عام 1988 وحتى وفاته في فرنسا، وهو الشخص الوحيد الذي ظل له مكتب خارج غرفة عرفات. وقال أبو زكي، في أول تصريحات له منذ الكشف عن اتهامات تسميم عرفات بالبولونيوم، إن فريقه بذل كل ما بوسعه لحماية الرئيس الراحل، وأكد أن المشكلة تكمن في اتساع شعبية عرفات ال المصدر:رويترز |
السبت، 23 نوفمبر 2013
هل يظل سر وفاة عرفات مدفونا للأبد؟
مواضيع مهمة اختارناها لكم
أحداث عاجلة,
أخبار دولية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق